يحكى انه في بلاد بعيدة, في أعالي جبال جرجرة كانت تعيش أسرة فقيرة تواجه صعاب الحياة بدون تذمر ولا تعب, تأكل مما زرعت و تلبس ما حاكت وتنام فيما صنعت.تتكون هذه الأسرة من أم وأب طاعنان في السن وثلاثة أبناء ذكور, احمد, عمر ونبيل. لقد كان عمر اصغر إخوته وأكثرهم فطنة ونباهة,أما أخواها فكانا يعملان ليل نهار في الزرع و الحرث والحصاد , لكنه كان يقول دوما في نفسه : (لن أصبح أبدا فلاحا جاهلا لايعرف سوى الفأس والمنجل ,بل سأتعلم وأصبح طبيبا عظيما).
ذات مرة سمع أخواها قوله العجيب فقالا له :لن تساعدك دراستك في أي شيء, فخذ الفأس وتعال لتحرث الأرض معنا. لكنه لم يتردد عن طموحه العلمي و قرر أن يبحث عن طريقة ليحصل بها عل الأموال الكافية من اجل دراسته.فاخذ يتجول في أرجاء مزرعته بحثا عن شيء ما قد يساعده, فوجد بعضا من الأغصان اليابسة فخطرت على باله فكرة. وعندما عاد إلى كوخه سمع صرخة تنبعث منه فهم مسرعا,وعندما دخل هنا كانت الفزعة الكبرى لقد توفي والده أمام عينيه ,فقال لأخويه والحزن يملا قلبه :ارايتم ماذا حدث لأبوكم ,لوكنتم أطباء أو متعلمين لعالجتموه ولما مات. أحس احمد ونبيل بالذنب فقالوا له : حسنا, سنساعدك على التعلم فرد :لا احتاج مساعدة من ليس في صدره قلب. ذهب عمر ليبدأ بتطبيق فكرته حيث قام بصنع الكثير من السلل وواصل ذلك حتى منتصف الليل فنام هناك .في الصباح الباكر ذهب إلى السوق ليبيع ما صنعت يداه , فباع كل السلل بسرعة فقد أعجب العامة بمهارته. عندما عاد إلى البيت اختلى بنفسه واخذ يعد ما جناه من أموال, ولقد كانت أموالا كثيرة.وفي صباح اليوم التالي ذهب إلى المدرسة فأحبها حبا جما وأصبح يداوم عليها.وبعد الدوام كان يبيع ما صنعت يداه. وبعد مرور سبعة عشر عاما تخرج من كلية الطب بتقدير ممتاز وقد ذاع صيته في كل أرجاء البلاد لحسن عمله وطيبته وحبه للناس.وذات مرة التقى بأخويه فتأسف منهما لتصرفاته السيئة في صغره وردا عليه بدورهما الاعتذار ذاته.
ومن هذا نستنتج أن الإرادة تغلب الوسيلة, فبالرغم من فقره المدقع فقد تعلم.
قصة من تأليف عويز أمال