من هو ماسينيسا
يعتبر ماسينيسا المازيليمن الريغة أهم ملوك دولة نوميديا الأمازيغية، ولد في سنة238 قبل الميلاد، وهو ابن گايا بن زيلالسان بن أيليماس. وهو من مواليد خنشلة الجزائرية ولكنهم انتقلوا إلى مدينة قسنطينةالتي حولها من بعد حكمه لها إلى سيرتا فاتخذها عاصمة لحكمه في منطقة الشرق الجزائري. وقد كرس حياته الطويلة لخدمة الأمازيغيين الذين زرع فيهم حب الوفاء والعمل والإخلاص. واستغل ظروف الحرب البونيقية (264-146قبل الميلاد) التي كانت تدور بين الرومان والقرطاجنيين ليسهر على توحيد الأمازيغيين في صف واحد وفي مملكة واحدة وتحت سلطة سياسية وإدارية واحدة.. وقد تولى ماسينيسا حكم نوميديا بعد أن انتصر على الملك صيفاقس الماسايسولي حليف قرطاجة، وقام بأسره حتى يحصل على دعائم ملكه. ومن المعروف أن ماسينيسا كان يمتلك مؤهلات حربية قوية وخبرة كبيرة في تسيير الحروب والتخطيط لها.
- تطور مقاومة ماسينيسا
شكل الملك ماسينيسا جيشا أمازيغيا قويا بعد أن وحد كل قبائل شمال أفريقيا الموجودة في القسم الأوسط ضمن مملكة أمازيغية موحدة وهي مملكة نوميديا. ويعرف على سياسة ماسينيسا أنها تعتمد في جوهرها على الحنكة والتجربة والذكاء والخبرة في التعامل الدبلوماسي مع الدول القوية كما يظهر ذلك واضحا في مهادنتها للرومان، ولاسيما في مواجهتها للقرطاجيين الذين كانوا يعاملون البربر معاملة سيئة.وكان ماسينيسا يعترف بأحقية الأمازيغيين في استرجاع أملاكهم من القرطاجيين التي استلبوها من أجدادهم حسب ما أورده المؤرخ تيت ليف:" إن القرطاجيين أجانب في بلادنا، فقد استولوا غصبا على أملاك أجدادنا، ولذلك يجب أن نسترد منهم بجميع الوسائل ماانتزعوه منا بالقوة".(1)
وهذا ما دفع ماسينيسا ليتحالف مع الرومان كي يساندوه في معاركه الطاحنة مع جيرانه القرطاجنيين، فأسفرت تلك الحروب على هزيمة قرطاجنية شنيعة.
و الشروط التي فرضتها روما على قرطاجنة المنهزمة:
1 - تعترف قرطاجنة بسيادة روما المطلقة حتى على إسبانيا؛
2 - تسلم لها الأسطول والفيلة وتؤدي لها- فوق ذلك - غرامة حربية كذلك؛
3 - تقيم ماسينيسا ملكا على نوميديا وتدفع له غرامة حربية كذلك؛
4- تأخذ قرطاجنة على نفسها ألا تعلن حربا، بعد، إلا بمشورة روما.
مظاهر الحضارة الأمازيغية في عهد ماسينيس
من أهم منجزات ماسينيسا أنه وحد القبائل والممالك الأمازيغية تحت شعار " أفريقيا للأفارقة"، خاصة القبائل التي كانت تسكن بين منطقتي طرابلس الليبية شرقا ونهر ملوية غربا. وبذلك أسس ما يسمى بمملكة نوميديا الكبيرة المستقلة عن الحكم القرطاجني وأصبح ملكا لها يحمل لقب" أگليد"(الملك باللغة الأمازيغية). وكانت تطلق كلمةنوميديا في تلك الفترةعلىالقسم الأوسط من أفريقيا الشمالية، وتنقسم بدورها إلى قسمين: نوميديا الشرقية أو "ماسولة"، ونوميديا الغربية أو "مازيسولة"، يفصل بينهما نهر الشليف الحالي الموجود بالجزائر. أما موريطانيا فكانت تطلق في تلك الفترة على القسم الغربي من شمال أفريقيا والممتد من نهر ملوية الحالي حتى المحيط الأطلسي غربا. وقد اتخذ اسمه من اسم القبائل المورية الأمازيغية التي كانت تعيش هناك، بينما يوجد في شرق مملكة نوميديا أفريكا التي كانت تجمع بين ليبيا وتونس على حد سواء.
ومن أسباب توحيد مملكة نوميديا أن ماسينيسا كان يعتمد على أسس السياسية التقليدية كالاعتماد على المصاهرات والتعاقد مع زعماء القبائل واستغلال الشعور الوطنيالمبني على الهوية الأمازيغية وإيقاظ المشاعر الدينية في خدمة الشعور الوطني والاعتماد على الحروب عند الضرورة القصوى.(5)كما أن "الأداة الأساسية لتحقيق هذا المشروع السياسي (توحيد الدولة) هو الجيش، الذي أحكم تنظيمه ليشتهر ببسالته وإمكانياته الحربية. والملاحظ أن الأمازيغ النواميد تحلوا بالانضباط والتمسك بالملكية، بحيث سادت في أوطانهم عبادة الملك- الإله وانتقل الحكم وراثيا في بيت ماسينيسا".(6)
ومن جهة أخرى، أرسى ماسينيسا مملكة أمازيغية عاصمتها سيرتا (قسنطينة) بناها في منطقة مسيجة بالجبال المنيعة وهي جبال الأوراس العتيدة. وقد جعل للمدينة أسوارا وحصونا، وقسم المدينة إلى أحياء سكنية وتجارية ومرافق عمومية وإدارية ودينية. وقد تأثر ماسينيسا في بناء مدينتها بالحضارة القرطاجنية والحضارة اليونانية.
وعمل ماسينيسا أيضا على وضع أبجدية أمازيغية ليبية محلية تسمى بكتابة تيفيناغ متأثرا في ذلك باللغة الفينيقية الكنعانية والحروف البونيقية القرطاجنية. ومن أسباب إقبال الأمازيغيين على اللغة الفينيقية الكنعانية التقارب العرقي والوجداني واللغوي بين اللغتين: تيفيناغ واللغة الفينيقية الكنعانية (لغة الشام). وفي هذا يقول عبد الرحمن الجيلالي في كتابه:" تاريخ الجزائر العام":" لقد أقبل البربر على اللغة الكنعانية الفينيقية، عندما وجدوا ما فيها من القرب من لغتهم وبسبب التواصل العرقي بينهم وبين الفينيقيين".
توفي ماسينيسا حوالي 148 قبل الميلاد عن سن تجاوزت التسعين من عمره بعد أن بقي في عرشه مدة طويلة ما يقرب من ستين سنة من حوالي 205 إلى 148ق.م. ويوجد قبره إلى حد الآن في مدينة الخروب في ضواحي قسنطينة التي كانت تسمى سيرتا قديما.